You are reading a tafsir for the group of verses 20:40 to 20:41
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
﴿وقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْناكَ مِنَ الغَمِّ وفَتَنّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ في أهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى﴾ ﴿واصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ .
فَجُمْلَةُ وقَتَلَتَ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ (﴿ولَقَدْ مَنَنّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى﴾ [طه: ٣٧]) لِأنَّ المَذْكُورَ في جُمْلَةِ (﴿وقَتَلْتَ نَفْسًا﴾) مِنَّةٌ أُخْرى ثالِثَةٌ.
(ص-٢٢٠)وقُدِمَ ذِكْرُ قَتلِهِ النَّفْسَ عَلى ذِكْرِ الإنْجاءِ مِنَ الغَمِّ لِتَعْظِيمِ المِنَّةِ، حَيْثُ افْتُتِحَتِ القِصَّةُ بِذِكْرِ جِنايَةٍ عَظِيمَةِ التَّبِعَةِ، وهي قَتْلُ النَّفْسِ لِيَكُونَ لِقَوْلِهِ فَنَجَّيْناكَ مَوْقِعٌ عَظِيمٌ مِنَ المِنَّةِ، إذْ أنْجاهُ مِن عُقُوبَةٍ لا يَنْجُو مِن مِثْلِها مِثْلُهُ. وهَذِهِ النَّفْسُ هي نَفْسُ القِبْطِيِّ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ الَّذِي اخْتَصَمَ مَعَ رَجُلٍ مِن بَنِي إسْرائِيلَ في المَدِينَةِ فاسْتَغاثَ الإسْرائِيلِيُّ بِمُوسى لِيَنْصُرَهُ فَوَكَزَ مُوسى القِبْطِيَّ فَقَضى عَلَيْهِ كَما قُصَّ ذَلِكَ في سُورَةِ القَصَصِ.
والغَمُّ: الحُزْنُ. والمَعْنِيُّ بِهِ ما خامَرَ مُوسى مِن خَوْفِ الِاقْتِصاصِ مِنهُ، لِأنَّ فِرْعَوْنَ لَمّا بَلَغَهُ الخَبَرُ أضْمَرَ الِاقْتِصاصَ مِن مُوسى لِلْقِبْطِيِّ إذْ كانَ القِبْطُ سادَةَ الإسْرائِيلِيِّينَ، فَلَيْسَ اعْتِداءُ إسْرائِيلِيٍّ عَلى قِبْطِيٍّ بِهَيِّنٍ بَيْنَهم. ويَظْهَرُ أنَّ فِرْعَوْنَ الَّذِي تَبَنّى مُوسى كانَ قَدْ هَلَكَ قَبْلَ ذَلِكَ.
والفُتُونُ: مَصْدَرُ فَتَنَ، كالخُرُوجِ، والثُّبُورِ، والشُّكُورِ، وهو مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِتَأْكِيدِ عامَلِهِ وهو فَتَنّاكَ، وتَنْكِيرُهُ لِلتَّعْظِيمِ، أيْ فُتُونًا قَوِيًّا عَظِيمًا.
والفُتُونُ كالفِتْنَةِ: هو اضْطِرابُ حالِ المَرْءِ في مُدَّةٍ مِن حَياتِهِ. وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى (﴿والفِتْنَةُ أشَدُّ مِنَ القَتْلِ﴾ [البقرة: ١٩١]) في سُورَةِ ”البَقَرَةِ“ .
ويَظْهَرُ أنَّ الفُتُونَ أصْلُ مَصْدَرِ فَتَنَ بِمَعْنى اخْتَبَرَ، فَيَكُونُ في الشَّرِّ وفي الخَيْرِ. وأمّا الفِتْنَةُ فَلَعَلَّها خاصَّةٌ بِاخْتِبارِ المُضِرِّ. ويَظْهَرُ أنَّ التَّنْوِينَ في فُتُونًا لِلتَّقْلِيلِ، وتَكُونُ جُمْلَةُ (﴿وفَتَنّاكَ فُتُونًا﴾) كالِاسْتِدْراكِ عَلى قَوْلِهِ (﴿فَنَجَّيْناكَ مِنَ الغَمِّ﴾)، أيْ نَجَّيْناكَ وحَصَلَ لَكَ خَوْفٌ، كَقَوْلِهِ (﴿فَأصْبَحَ في المَدِينَةِ خائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ١٨]) فَذَلِكَ الفُتُونُ.
والمُرادُ بِهَذا الفُتُونِ خَوْفُ مُوسى مِن عِقابِ فِرْعَوْنَ وخُرُوجُهُ مِنَ البَلَدِ المَذْكُورِ في قَوْلِهِ تَعالى (﴿فَأصْبَحَ في المَدِينَةِ خائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ١٨]) (ص-٢٢١)إلى قَوْلِهِ ( ﴿وجاءَ رَجُلٌ مِن أقْصى المَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إنَّ المَلَأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فاخْرُجْ إنِّي لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ﴾ [القصص: ٢٠] ﴿فَخَرَجَ مِنها خائِفًا يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ [القصص: ٢١] .
وذِكْرُ الفُتُونِ بَيْنَ تِعْدادِ المِنَنِ إدْماجٌ لِلْإعْلامِ بِأنَّ اللَّهَ لَمْ يُهْمِلْ دَمَ القِبْطِيِّ الَّذِي قَتَلَهُ مُوسى، فَإنَّهُ نَفْسٌ مَعْصُومَةُ الدَّمِ إذْ لَمْ يَحْصُلْ ما يُوجِبُ قَتْلَهُ لِأنَّهم لَمْ تَرِدْ إلَيْهِمْ دَعْوَةٌ إلَهِيَّةٌ حِينَئِذٍ، فَحِينَ أنْجى اللَّهُ مُوسى مِنَ المُؤاخَذَةِ بِدَمِهِ في شَرْعِ فِرْعَوْنَ ابْتَلى مُوسى بِـ الَخَوْفِ والغُرْبَةِ عِتابًا لَهُ عَلى إقْدامِهِ عَلى قَتْلِ النَّفْسِ، كَما قالَ في الآيَةِ الأُخْرى (﴿قالَ هَذا مِن عَمَلِ الشَّيْطانِ إنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٥] ﴿قالَ رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ﴾ [القصص: ١٦]) .
وعِبادُ اللَّهِ الَّذِينَ أرادَ بِهِمْ خَيْرًا ورَعاهم بِعِنايَتِهِ يَجْعَلُ لَهم مِن كُلِّ حالَةٍ كَمالًا يَكْسِبُونَهُ، ويُسَمّى مِثْلُ ذَلِكَ بِالِابْتِلاءِ، فَكانَ مِن فُتُونِ مُوسى بِقَضِيَّةِ القِبْطِيِّ أنْ قَدَّرَ لَهُ الخُرُوجَ إلى أرْضِ مَدْيَنَ لِيَكْتَسِبَ رِياضَةَ نَفْسٍ وتَهْيِئَةَ ضَمِيرٍ لِتَحَمُّلِ المَصاعِبَ، ويَتَلَقّى التَّهْذِيبَ مِن صِهْرِهِ الرَّسُولِ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - . ولِهَذا المَعْنى عَقَّبَ ذِكْرَ الفُتُونِ بِالتَّفْرِيعِ في قَوْلِهِ (﴿فَلَبِثْتَ سِنِينَ في أهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى﴾)، فَبَيَّنَ لَهُ كَيْفَ كانَتْ عاقِبَةُ الفُتُونِ. أوْ يَكُونُ الفُتُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مَحْمُودِ العاقِبَةِ وضِدِّهِ مِثْلَ الِابْتِلاءِ في قَوْلِهِ (﴿وبَلَوْناهم بِالحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ﴾ [الأعراف: ١٦٨])، أيْ واخْتَبَرْناكَ اخْتِبارًا. والِاخْتِبارُ: تَمْثِيلٌ لِحالِ تَكْلِيفِهِ بِأمْرِ التَّبْلِيغِ بِحالِ مَن يُخْتَبَرُ، ولِهَذا اخْتِيرَ هُنا دُونَ الفِتْنَةِ.
وأهْلُ مَدْيَنَ: قَوْمُ شُعَيْبٍ، ومَدِينُ: اسْمُ أحَدِ أبْناءِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - سَكَنَتْ ذُرِّيَّتُهُ في مَوْطِنٍ يُسَمّى الأيْكَةَ عَلى شاطِئِ البَحْرِ الأحْمَرِ جَنُوبَ عَقَبَةِ أيْلَةَ، وغَلَبَ اسْمُ القَبِيلَةِ عَلى الأرْضِ وصارَ عَلَمًا لِلْمَكانِ فَمِن ثَمَّ أُضِيفَ إلَيْهِ أهْلُ. وقَدْ تَقَدَّمَ في سُورَةِ ”الأعْرافِ“ .
(ص-٢٢٢)ومَعْنى (جِئْتَ) حَضَرْتَ لَدَيْنا. وهو حُضُورُهُ بِالوادِ المُقَدَّسِ لِتَلَقِّي الوَحْيِ. و(عَلى) لِلِاسْتِعْلاءِ المَجازِيِّ بِمَعْنى التَّمَكُّنِ؛ جَعَلَ مَجِيئَهُ في الوَقْتِ الصّالِحِ لِلْخَيْرِ بِمَنزِلَةِ المُسْتَعْلِي عَلى ذَلِكَ الوَقْتِ المُتَمَكِّنِ مِنهُ.
والقَدَرُ: تَقْدِيرُ الشَّيْءِ عَلى مِقْدارٍ مُناسِبٍ لِما يُرِيدُ المُقَدِّرُ بِحَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَلى سَبِيلِ المُصادَفَةِ، فَيَكُونُ غَيْرَ مُلائِمٍ أوْ في مُلاءَمَتِهِ خَلَلٌ، قالَ النّابِغَةُ:
؎فَرِيعَ قَلْبِي وكانَتْ نَظْرَةً عَرَضَتْ يَوْمًا وتَوْفِيقَ أقْدارٍ لِأقْدارِ
أيْ مُوافِقَةً ما كُنْتُ أرْغَبُهُ.
فَقَوْلُهُ (﴿ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ﴾) يُفِيدُ أنَّ ما حَصَلَ لِمُوسى مِنَ الأحْوالِ كانَ مُقَدَّرًا مِنَ اللَّهِ تَقْدِيرًا مُناسِبًا مُتَدَرِّجًا، بِحَيْثُ تَكُونُ أعْمالُهُ وأحْوالُهُ قَدْ قَدَّرَها اللَّهُ وحَدَّدَها تَحْدِيدًا مُنَظَّمًا لِأجْلِ اصْطِفائِهِ وما أرادَ اللَّهُ مِن إرْسالِهِ، فالقَدَرُ هُنا كِنايَةٌ عَنِ العِنايَةِ بِتَدْبِيرِ إجْراءِ أحْوالِهِ عَلى ما يُسْفِرُ عَنْ عاقِبَةِ الخَيْرِ.
فَهَذا تَقْدِيرٌ خاصٌّ، وهو العِنايَةُ بِتَدَرُّجِ أحْوالِهِ إلى أنْ بَلَغَ المَوْضِعَ الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ مِنهُ. ولَيْسَ المُرادُ القَدَرُ العامُّ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ لِتَكْوِينِ جَمِيعِ الكائِناتِ، فَإنَّ ذَلِكَ لا يُشْعِرُ بِمَزِيَّةٍ لِمُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - .
وقَدِ انْتَبَهَ إلى هَذا المَعْنى جَرِيرٌ بِذَوْقِهِ السَّلِيمِ فَقالَ في مَدْحِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ:
؎أتى الخِلافَةَ أوْ كانَتْ لَهُ قَدَرًا ∗∗∗ كَما أتى رَبَّهُ مُوسى عَلى قَدَرِ
ومِن هُنا خَتْمَ الِامْتِنانَ بِما هو الفَذْلَكَةُ، وذَلِكَ جُمْلَةُ (﴿واصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾) الَّذِي هو بِمَنزِلَةِ رَدِّ العَجُزِ عَلى الصَّدْرِ عَلى قَوْلِهِ (ص-٢٢٣)(﴿ولِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِيَ إذْ تَمْشِي أُخْتُكَ﴾ [طه: ٣٩]) الآيَةَ، وهو تَخَلُّصٌ بَدِيعٌ إلى الغَرَضِ المَقْصُودِ وهو الخِطابُ بِأعْمالِ الرِّسالَةِ المُبْتَدَأِ مِن قَوْلِهِ (﴿وأنا اخْتَرْتُكَ فاسْتَمِعْ لِما يُوحى﴾ [طه: ١٣]) ومِن قَوْلِهِ (﴿اذْهَبْ إلى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغى﴾ [طه: ٢٤]) .
والِاصْطِناعُ: صُنْعُ الشَّيْءِ بِاعْتِناءٍ: واللّامُ لِلْأجْلِ، أيْ لِأجْلِ نَفْسِي. والكَلامُ تَمْثِيلٌ لِهَيْئَةِ الِاصْطِفاءِ لِتَبْلِيغِ الشَّرِيعَةِ بِهَيْئَةِ مَن يَصْطَنِعُ شَيْئًا لِفائِدَةِ نَفْسِهِ فَيَصْرِفُ فِيهِ غايَةَ إتْقانِ صُنْعِهِ.