You are reading a tafsir for the group of verses 20:24 to 20:33
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
﴿اذْهَبْ إلى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغى﴾ ﴿قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾ ﴿ويَسِّرْ لِيَ أمْرِي﴾ ﴿واحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسانِي﴾ ﴿يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ ﴿واجْعَلْ لِي وزِيرًا مِن أهْلِي﴾ ﴿هارُونَ أخِي﴾ ﴿اشْدُدْ بِهِ أزْرِي﴾ ﴿وأشْرِكْهُ في أمْرِي﴾ ﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا﴾ ﴿ونَذْكُرَكَ كَثِيرًا﴾ ﴿إنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيرًا﴾ ﴿قالَ قَدْ أُوتِيَتْ سُؤْلَكَ يا مُوسى﴾ .
لَمّا أظْهَرَ اللَّهُ لَهُ الآيَتَيْنِ فَعَلِمَ بِذَلِكَ أنَّهُ مُؤَيَّدٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى، أمَرَهُ اللَّهُ بِالأمْرِ العَظِيمِ الَّذِي مِن شَأْنِهِ أنْ يُدْخِلَ الرَّوْعَ في نَفْسِ المَأْمُورِ بِهِ وهو مُواجَهَةُ أعْظَمِ مُلُوكِ الأرْضِ يَوْمَئِذٍ بِالمَوْعِظَةِ ومُكاشَفَتُهُ بِفَسادِ حالِهِ، وقَدْ جاءَ في الآياتِ الآتِيَةِ (ص-٢١٠)(﴿قالا رَبَّنا إنَّنا نَخافُ أنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أوْ أنْ يَطْغى قالَ لا تَخافا إنَّنِي مَعَكُما أسْمَعُ وأرى﴾ [طه: ٤٥]) .
والذَّهابُ المَأْمُورُ بِهِ ذَهابٌ خاصٌّ، قَدْ فَهِمَهُ مُوسى مِن مُقَدِّماتِ الإخْبارِ بِاخْتِيارِهِ، وإظْهارِ المُعْجِزاتِ لَهُ، أوْ صَرَّحَ لَهُ بِهِ وطَوى ذِكْرَهُ هُنا عَلى طَرِيقَةِ الإيجازِ، عَلى أنَّ التَّعْلِيلَ الواقِعَ بَعْدُ يُنْبِئُ بِهِ.
فَجُمْلَةُ (﴿إنَّهُ طَغى﴾) تَعْلِيلٌ لِلْأمْرِ بِالذَّهابِ إلَيْهِ، وإنَّما صَلُحَتْ لِلتَّعْلِيلِ لِأنَّ المُرادَ ذَهابٌ خاصٌّ، وهو إبْلاغُ ما أمَرَ اللَّهُ بِإبْلاغِهِ إلَيْهِ مِن تَغَيُّرِهِ عَمّا هو عَلَيْهِ مِن عِبادَةِ غَيْرِ اللَّهِ. ولَمّا عَلِمَ مُوسى ذَلِكَ لَمْ يُبادِرْ بِالمُراجَعَةِ في الخَوْفِ مِن ظُلْمِ فِرْعَوْنَ، بَلْ تَلَقّى الأمْرَ وسَألَ اللَّهَ الإعانَةَ عَلَيْهِ، بِما يَئُولُ إلى رَباطَةِ جَأْشِهِ وخَلْقِ الأسْبابِ الَّتِي تُعِينُهُ عَلى تَبْلِيغِهِ، وإعْطائِهِ فَصاحَةَ القَوْلِ لِلْإسْراعِ بِالإقْناعِ بِالحُجَّةِ.
وحُكِيَ جَوابُ مُوسى عَنْ كَلامِ الرَّبِّ بِفِعْلِ القَوْلِ غَيْرِ مَعْطُوفٍ جَرْيًا عَلى طَرِيقَةِ المُحاوَراتِ.
ورَتَّبَ مُوسى الأشْياءَ المَسْئُولَةَ في كَلامِهِ عَلى حَسْبِ تَرْتِيبِها في الواقِعِ عَلى الأصْلِ في تَرْتِيبِ الكَلامِ ما لَمْ يَكُنْ مُقْتَضٍ لِلْعَدْلِ عَنْهُ.
فالشَّرْحُ، حَقِيقَتُهُ: تَقْطِيعُ ظاهِرِ شَيْءٍ لَيِّنٍ. واسْتُعِيرَ هُنا لِإزالَةِ ما في نَفْسِ الإنْسانِ مِن خَواطِرَ تُكَدِّرُهُ أوْ تُوجِبُ تَرَدُّدَهُ في الإقْدامِ عَلى عَمَلٍ ما تَشْبِيهًا بِتَشْرِيحِ اللَّحْمِ بِجامِعِ التَّوْسِعَةِ.
والقَلْبُ: يُرادُ بِهِ في كَلامِهِمُ العَقْلُ فالمَعْنى: أزِلْ عَنْ فِكْرِي الخَوْفَ ونَحْوَهُ، مِمّا يَعْتَرِضُ الإنْسانَ مِن عَقَباتٍ تَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ الِانْتِفاعِ بِإقْدامِهِ وعَزامَتِهِ، وذَلِكَ مِنَ العُسْرِ، فَسَألَ تَيْسِيرَ أمْرِهِ، أيْ إزالَةَ المَوانِعِ الحافَّةِ بِما كُلِّفَ بِهِ.
(ص-٢١١)والأمْرُ هُنا: الشَّأْنُ، وإضافَةُ (أمْرِ) إلى ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ لِإفادَةِ مَزِيدِ اخْتِصاصِهِ بِهِ وهو أمْرُ الرِّسالَةِ كَما في قَوْلِهِ الآتِي (﴿وأشْرِكْهُ في أمْرِي﴾) .
والتَّيْسِيرُ: جَعْلُ الشَّيْءِ يَسِيرًا، أيْ ذا يُسْرٍ. وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى (﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]) في البَقَرَةِ. ثُمَّ سَألَ سَلامَةَ آلَةِ التَّبْلِيغِ وهو اللِّسانُ بِأنْ يَرْزُقَهُ فَصاحَةَ التَّعْبِيرِ والمَقْدِرَةَ عَلى أداءِ مُرادِهِ بِأوْضَحِ عِبارَةً، فَشَبَّهَ حُبْسَةَ اللِّسانِ بِالعُقْدَةِ في الحَبْلِ أوِ الخَيْطِ ونَحْوِهِما لِأنَّها تَمْنَعُ سُرْعَةَ اسْتِعْمالِهِ.
والعُقْدَةُ: مَوْضِعُ رَبْطِ بَعْضِ الخَيْطِ أوِ الحَبْلِ بِبَعْضٍ آخَرَ مِنهُ، وهي بِزِنَةِ فُعْلَةٍ بِمَعْنى مَفْعُولٍ كَقِصَّةٍ وغَرْفَةٍ، أُطْلِقَتْ عَلى عُسْرِ النُّطْقِ بِالكَلامِ أوْ بِبَعْضِ الحُرُوفِ عَلى وجْهِ الِاسْتِعارَةِ لِعَدَمِ تَصَرُّفِ اللِّسانِ عِنْدَ النُّطْقِ بِالكَلِمَةِ وهي اسْتِعارَةٌ مُصَرِّحَةٌ، ويُقالُ لَها حُبْسَةٌ. يُقالُ: عَقِدَ اللِّسانُ كَفَرِحَ، فَهو أعْقَدُ إذا كانَ لا يُبِينُ الكَلامَ. واسْتَعارَ لِإزالَتِها فِعْلَ الحِلِّ المُناسِبِ العُقْدَةَ عَلى طَرِيقَةِ الِاسْتِعارَةِ المَكْنِيَّةِ.
وزِيادَةُ (لِي) بَعْدَ (اشْرَحْ) وبَعْدَ (يَسِّرْ) إطْنابٌ كَما أشارَ إلَيْهِ صاحِبُ المِفْتاحِ لِأنَّ الكَلامَ مُفِيدٌ بِدُونِهِ. ولَكِنْ سُلِكَ الإطْنابُ لِما تُفِيدُهُ اللّامُ مِن مَعْنى العِلَّةِ، أيِ اشْرَحْ صَدْرِي لِأجْلِي ويَسِّرْ أمْرِي لِأجْلِي، وهي اللّامُ المُلَقَّبَةُ لامَ التَّبْيِينِ الَّتِي تُفِيدُ تَقْوِيَةَ البَيانِ، فَإنَّ قَوْلَهُ (صَدْرِي وأمْرِي) واضِحٌ أنَّ الشَّرْحَ والتَّيْسِيرَ مُتَعَلِّقانِ بِهِ فَكانَ قَوْلُهُ (لِي) فِيها زِيادَةَ بَيانٍ كَقَوْلِهِ (﴿ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح: ١]) وهو هُنا ضَرْبٌ مِنَ الإلْحاحِ في الدُّعاءِ لِنَفْسِهِ. وأمّا تَقْدِيمُ هَذا المَجْرُورِ عَلى مُتَعَلِّقِهِ فَلِيَحْصُلَ الإجْمالُ ثُمَّ التَّفْصِيلُ فَيُفِيدُ مَفادَ التَّأْكِيدِ مِن أجْلِ تَكَرُّرِ الإسْنادِ. (ص-٢١٢)ولَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ (﴿واحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسانِي﴾) لِأنَّ ذَلِكَ سُؤالٌ يَرْجِعُ إلى رِسالَةِ اللَّهِ إلى فِرْعَوْنَ فَلَيْسَتْ فائِدَتُها راجِعَةً إلَيْهِ حَتّى يَأْتِيَ لَها بِلامِ التَّبْيِينِ. وتَنْكِيرُ عُقْدَةً لِلتَّعْظِيمِ، أيْ عُقْدَةً شَدِيدَةً.
ومِن لِسانِي صِفَةٌ لِ ”عُقْدَةً“ . وعَدَلَ عَنْ أنْ يَقُولَ: عُقْدَةَ لِسانِي، بِالإضافَةِ لِيَتَأتّى التَّنْكِيرُ المُشْعِرُ بِأنَّها عُقْدَةٌ شَدِيدَةٌ.
وفِعْلُ (يَفْقَهُوا) مَجْزُومٌ في جَوابِ الأمْرِ عَلى الطَّرِيقَةِ المُتَّبَعَةِ في القُرْآنِ مِن جَعْلِ الشَّيْءِ المَطْلُوبِ بِمَنزِلَةِ الحاصِلِ عَقِبَ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ تَعالى (﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أبْصارِهِمْ﴾ [النور: ٣٠]) أيْ أنْ نَقُلْ لَهم غُضُّوا يَغُضُّوا، أيْ شَأْنُهُمُ الِامْتِثالُ. والفِقْهُ: الفَهْمُ.
والوَزِيرُ: فَعِيلٌ بِمَعْنى فاعِلٍ، مِن وازَرَ عَلى غَيْرِ قِياسٍ، مِثْلُ حَكِيمٍ مِن أحْكَمَ، وهو مُشْتَقٌّ مِنَ الأزْرِ، وهو المَعُونَةُ، والمُؤازَرَةُ كَذَلِكَ، والكُلُّ مُشْتَقٌّ مِنَ الأزْرِ، أيِ الظَّهْرِ، كَما سَيَأْتِي قَرِيبًا، فَحَقُّهُ أنْ يَكُونَ أزِيرًا بِالهَمْزَةِ إلّا أنَّهم قَلَبُوا هَمْزَتَهُ واوًا حَمْلًا عَلى مُوازِرٍ الَّذِي هو بِمَعْناهُ الَّذِي قُلِبَتْ هَمْزَتُهُ واوًا لِانْضِمامِ ما قَبْلَها. فَلَمّا كَثُرَ في الكَلامِ قَوْلُهم: مُوازِرٌ ويُوازِرُ بِالواوِ نَطَقُوا بِنَظِيرِهِ في المَعْنى بِالواوِ بِدُونِ مُوجِبٍ لِلْقَلْبِ إلّا الحَمْلُ عَلى النَّظِيرِ في النُّطْقِ، أيِ اعْتِيادِ النُّطْقِ بِهَمْزَتِهِ واوًا، أيِ اجْعَلْ مُعِينًا مِن أهْلِي.
وخَصَّ هارُونَ لِفَرْطِ ثِقَتِهِ بِهِ ولِأنَّهُ كانَ فَصِيحَ اللِّسانِ مِقْوالًا، فَكَوْنُهُ مِن أهْلِهِ مَظِنَّةُ النُّصْحِ لَهُ، وكَوْنُهُ أخاهُ أقْوى في المُناصَحَةِ، وكَوْنُهُ الأخَ الخاصَّ لِأنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَهُ بِأصالَةِ الرَّأْيِ.
وجُمْلَةُ (﴿اشْدُدْ بِهِ أزْرِي﴾) عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ بِصِيغَةِ الأمْرِ في فِعْلَيِ (اشْدُدْ، وأشْرِكْ) بَيانٌ لِجُمْلَةِ (﴿اجْعَلْ لِي وزِيرًا﴾) . سَألَ اللَّهَ (ص-٢١٣)أنْ يَجْعَلَهُ مُعِينًا لَهُ في أعْمالِهِ، وسَألَهُ أنْ يَأْذَنَ لَهُ بِأنْ يَكُونَ شَرِيكًا لِمُوسى في أمْرِهِ، أيْ أمْرِ رِسالَتِهِ.
وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ بِصِيغَةِ المُتَكَلِّمِ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ المَقْطُوعَةِ في (أشْدُدْ) وبِضَمِّ هَمْزَةِ (أُشْرِكْهُ) . فالفِعْلانِ إذَنْ مَجْزُومانِ في جَوابِ الدُّعاءِ كَما جَزَمَ (﴿يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾) .
وهارُونُ مَفْعُولٌ أوَّلُ لِفِعْلِ اجْعَلْ، قُدِّمَ عَلَيْهِ المَفْعُولُ الثّانِي لِلِاهْتِمامِ.
والشَّدُّ: الإمْساكُ بِقُوَّةٍ.
والأزْرُ: أصْلُهُ الظَّهْرُ. ولَمّا كانَ الظَّهْرُ مَجْمَعَ حَرَكَةِ الجِسْمِ وقِوامَ اسْتِقامَتِهِ أُطْلِقَ اسْمُهُ عَلى القُوَّةِ إطْلاقًا شائِعًا يُساوِي الحَقِيقَةَ فَقِيلَ الأزْرُ لِلْقُوَّةِ.
وقِيلَ: آزَرَهُ إذا أعانَهُ وقَوّاهُ. وسُمِّيَ الإزارُ إزارًا لِأنَّهُ يُشَدُّ بِهِ الظَّهْرُ، وهو في الآيَةِ مُرادٌ بِهِ الظَّهْرُ لِيُناسِبَ الشَّدَّ، فَيَكُونُ الكَلامُ تَمْثِيلًا لِهَيْئَةِ المُعِينِ والمُعانِ بِهَيْئَةِ مَشْدُودِ الظَّهْرِ بِحِزامٍ ونَحْوِهِ وشادِّهِ.
وعَلَّلَ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - سُؤالَهُ تَحْصِيلَ ما سَألَهُ لِنَفْسِهِ ولِأخِيهِ، بِأنْ يُسَبِّحا اللَّهَ كَثِيرًا ويَذْكُرا اللَّهَ كَثِيرًا. ووَجْهُ ذَلِكَ أنَّ فِيما سَألَهُ لِنَفْسِهِ تَسْهِيلًا لِأداءِ الدَّعْوَةِ بِتَوَفُّرِ آلاتِها ووُجُودِ العَوْنِ عَلَيْها، وذَلِكَ مَظِنَّةُ تَكْثِيرِها. وأيْضًا فِيما سَألَهُ لِأخِيهِ تَشْرِيكَهُ في الدَّعْوَةِ ولَمْ يَكُنْ لِأخِيهِ مِن قَبْلُ، وذَلِكَ يَجْعَلُ مِن أخِيهِ مُضاعَفَةً لِدَعْوَتِهِ، وذَلِكَ يَبْعَثُ أخاهُ أيْضًا عَلى الدَّعْوَةِ. ودَعْوَةُ كُلٍّ مِنهُما تَشْتَمِلُ عَلى التَّعْرِيفِ بِصِفاتِ اللَّهِ وتَنْزِيهِهِ فَهي مُشْتَمِلَةٌ عَلى التَّسْبِيحِ، وفي الدَّعْوَةِ حَثٌّ عَلى العَمَلِ بِوَصايا (ص-٢١٤)اللَّهِ تَعالى عِبادَهُ، وإدْخالُ الأُمَّةِ في حَضْرَةِ الإيمانِ والتَّقْوى. وفي ذَلِكَ إكْثارٌ مِن ذِكْرِ اللَّهِ بِإبْلاغِ أمْرِهِ ونَهْيِهِ. ألا تَرى إلى قَوْلِهِ تَعالى بَعْدَ هَذِهِ الآياتِ (﴿اذْهَبْ أنْتَ وأخُوكَ بِآياتِي ولا تَنِيا في ذِكْرِي﴾ [طه: ٤٢])، أيْ لا تَضْعُفا في تَبْلِيغِ الرِّسالَةِ، فَلا جَرَمَ كانَ في تَحْصِيلِ ما دَعا بِهِ إكْثارٌ مِن تَسْبِيحِهِما وذِكْرِهِما اللَّهَ؛ وأيْضًا في التَّعاوُنِ عَلى آداءِ الرِّسالَةِ تَقْلِيلٌ مِنَ الِاشْتِغالِ بِضَرُوراتِ الحَياةِ، إذْ يُمْكِنُ أنْ يَقْتَسِما العَمَلَ الضَّرُورِيَّ لِحَياتِهِما فَيَقِلُّ زَمَنُ اشْتِغالِهِما بِالضَّرُورِيّاتِ وتَتَوَفَّرُ الأوْقاتُ لِأداءِ الرِّسالَةِ. وتِلْكَ فائِدَةٌ عَظِيمَةٌ لِكِلَيْهِما في التَّبْلِيغِ.
والَّذِي ألْجَأ مُوسى إلى سُؤالِ ذَلِكَ عِلْمُهُ بِشِدَّةِ فِرْعَوْنَ وطُغْيانِهِ ومَنعِهِ الأُمَّةَ مِن مُفارَقَةِ ضَلالِهِمْ، فَعُلِمَ أنَّ في دَعْوَتِهِ فِتْنَةً لِلدّاعِي فَسَألَ الإعانَةَ عَلى الخَلاصِ مِن تِلْكَ الفِتْنَةِ لِيَتَوَفَّرَ لِلتَّسْبِيحِ والذِّكْرِ كَثِيرًا.
وجُمْلَةُ (﴿إنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيرًا﴾) تَعْلِيلٌ لِسُؤالِهِ شَرْحَ صَدْرِهِ وما بَعْدَهُ، أيْ لِأنَّكَ تَعْلَمُ حالِي وحالَ أخِي، وإنِّي ما دَعَوْتُكَ بِما دَعَوْتُ إلّا لِأنَّنا مُحْتاجانِ لِذَلِكَ، وفِيهِ تَفْوِيضٌ إلى اللَّهِ تَعالى بِأنَّهُ أعْلَمُ بِما فِيهِ صَلاحُهم، وأنَّهُ ما سَألَ سُؤالَهُ إلّا بِحَسَبِ ما بَلَغَ إلَيْهِ عِلْمُهُ.
وقَوْلُهُ (﴿قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى﴾) وعْدٌ لَهُ بِالإجابَةِ، وتَصْدِيقٌ لَهُ فِيما تَوَسَّمَهُ مِنَ المَصالِحِ فِيما سَألَهُ لِنَفْسِهِ ولِأخِيهِ.
والسُّؤْلُ بِمَعْنى المَسْئُولِ. وهو وزْنُ فِعْلٍ بِمَعْنى مَفْعُولٍ كالخُبْزِ بِمَعْنى المَخْبُوزِ، والأكْلِ بِمَعْنى المَأْكُولِ. وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ العُقْدَةَ زالَتْ عَنْ لِسانِهِ، ولِذَلِكَ لَمْ يُحْكَ فِيما بَعْدُ أنَّهُ أقامَ هارُونَ بِمُجادَلَةِ فِرْعَوْنَ. ووَقَعَ في التَّوْراةِ في الإصْحاحِ السّابِعِ مِن سِفْرِ الخُرُوجِ: ( فَقالَ الرَّبُّ لِمُوسى أنْتَ تَتَكَلَّمُ بِكُلِّ ما آمُرُكَ بِهِ وهارُونُ أخُوكَ يُكَلِّمُ فِرْعَوْنَ.