undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
3
﴿يُوسُفُ أيُّها الصِّدِّيقُ أفْتِنا في سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّيَ أرْجِعُ إلى النّاسِ لَعَلَّهم يَعْلَمُونَ﴾ الخِطابُ بِالنِّداءِ مُؤْذِنٌ بِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ في الكَلامِ، وأنَّهُ مِن قَوْلِ الَّذِي نَجا وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ. وحُذِفَ مِنَ الكَلامِ ذِكْرُ إرْسالِهِ ومَشْيِهِ ووُصُولِهِ، إذْ لا غَرَضَ فِيهِ مِنَ القِصَّةِ. وهَذا مِن بَدِيعِ الإيجازِ. والصِّدِّيقُ: أصْلُهُ صِفَةُ مُبالَغَةٍ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الصِّدْقِ، كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿وأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ [المائدة: ٧٥] في سُورَةِ العُقُودِ، وغَلَبَ اسْتِعْمالُ وصْفِ الصِّدِّيقِ اسْتِعْمالُ اللَّقَبِ الجامِعِ لِمَعانِي الكَمالِ واسْتِقامَةِ السُّلُوكِ في طاعَةِ اللَّهِ - تَعالى -؛ لِأنَّ تِلْكَ المَعانِيَ لا تَجْتَمِعُ إلّا لِمَن قَوِيَ صِدْقُهُ في الوَفاءِ بِعَهْدِ الدِّينِ. وأحْسَنُ ما رَأيْتُ في هَذا المَعْنى كَلِمَةُ الرّاغِبِ الأصْفَهانِيِّ في مُفْرَداتِ القُرْآنِ قالَ: ”الصِّدِّيقُونَ هم دُوَيْنَ الأنْبِياءِ“ . وهَذا ما يَشْهَدُ بِهِ اسْتِعْمالُ القُرْآنِ في آياتٍ كَثِيرَةٍ مِثْلَ قَوْلِهِ: ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ﴾ [النساء: ٦٩] الآيَةَ، وقَوْلِهِ: ﴿وأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ [المائدة: ٧٥] . ومِنهُ ما لَقَّبَ النَّبِيُّ ﷺ أبا بَكْرٍ بِالصِّدِّيقِ في قَوْلِهِ في حَدِيثِ رَجْفِ جَبَلِ أُحُدٍ «اسْكُنْ أُحُدُ فَإنَّما عَلَيْكَ نَبِيٌّ وصِدِّيقٌ وشَهِيدانِ» . مِن أجْلِ ذَلِكَ أجْمَعَ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ومِنهم عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ - كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ - عَلى أنَّ أبا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أفْضَلُ الأُمَّةِ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ . وقَدْ جَمَعَ اللَّهُ هَذا الوَصْفَ مَعَ صِفَةِ النُّبُوَّةِ في قَوْلِهِ: ﴿واذْكُرْ في الكِتابِ إدْرِيسَ إنَّهُ كانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا﴾ [مريم: ٥٦] في سُورَةِ مَرْيَمَ. (ص-٢٨٥)وقَدْ يُطْلَقُ الصِّدِّيقُ عَلى أصْلِ وصْفِهِ، كَما في قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ [الحديد: ١٩] عَلى أحَدِ تَأْوِيلَيْنِ فِيها. فَهَذا الَّذِي اسْتَفْتى يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - في رُؤْيا المَلِكِ وصَفَ في كَلامِهِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِمَعْنًى يَدُلُّ عَلَيْهِ وصْفُ الصِّدِّيقِ في اللِّسانِ العَرَبِيِّ، وإنَّما وصَفَهُ بِهِ عَنْ خِبْرَةٍ وتَجْرِبَةٍ اكْتَسَبَها مِن مُخالَطَةِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - في السِّجْنِ. فَضَمَّ ما ذَكَرْناهُ هُنا إلى ما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿وأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ [المائدة: ٧٥] في سُورَةِ العُقُودِ، وإلى قَوْلِهِ: ﴿مَعَ الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ﴾ [النساء: ٦٩] في سُورَةِ النِّساءِ. وإعادَةُ العِباراتِ المَحْكِيَّةِ عَنِ المَلِكِ بِعَيْنِها إشارَةٌ إلى أنَّهُ بَلَّغَ السُّؤالَ كَما تَلَقّاهُ، وذَلِكَ تَمامُ أمانَةِ النّاقِلِ. والنّاسُ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ آمَنّا بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ٨] في سُورَةِ البَقَرَةِ. والمُرادُ بِـ النّاسِ بَعْضِهِمْ، كَقَوْلِهِ - تَعالى: ﴿الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣] . والنّاسُ هُنا هُمُ المَلِكُ وأهْلُ مَجْلِسِهِ؛ لِأنَّ تَأْوِيلَ تِلْكَ الرُّؤْيا يُهِمُّهم جَمِيعًا لِيَعْلَمَ المَلِكُ تَأْوِيلَ رُؤْياهُ ويَعْلَمَ أهْلُ مَجْلِسِهِ أنَّ ما عَجَزُوا عَنْ تَأْوِيلِهِ قَدْ عُلِّمَهُ مَن هو أعْلَمُ مِنهم. وهَذا وجْهُ قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّهم يَعْلَمُونَ﴾ مَعَ حَذْفِ مَعْمُولِ (يَعْلَمُونَ) لِأنَّ كُلَّ أحَدٍ يَعْلَمُ ما يُفِيدُهُ عِلْمُهُ.